Published
5 mois agoon
By
أحلام كرارعلى مدار ثلاثة أعوام، شكلت مساحات الأراضي التي سيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي بقرارات رسمية تحت مسمى “محميات طبيعية” في الضفة الغربية النسبة الأكبر من مجمل الأراضي التي تمّت السيطرة عليها تحت مسميات مختلفة، ويعتبر الفلسطينيون أن الهدف هو السيطرة على أكبر مساحة من أراضي الضفة الغربية، ومنع وصول الفلسطينيين إليها، وليس الحفاظ على الطبيعة، وتحويل جزء منها إلى مستوطنات، كما حصل سابقاً.
وتقول دائرة التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، إن أكثر من 15 ألف دونم، أي 55% من نسبة الأراضي المسيطر عليها في الضفة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت لتوسيع مناطق “محميات طبيعية”، بينما أُعلن 11 ألف دونم أراضي دولة في الفترة نفسها. وفي عام 2023، صودر 45 ألفاً من أصل 50 ألف دونم لأجل تعديل وتوسيع حدود محميات طبيعية في منطقة وادي درجة عند البحر الميت شرقي الضفة الغربية. وعام 2022، صودر 22 ألف دونم لصالح “المحميات الطبيعية” من أصل 26 ألفاً صودرت تحت مسميات عدة.
وجرى توسيع ثلاث مناطق معلنة كمحميات طبيعية في الضفة الغربية هذا العام، من بينها منطقتان قرب البحر الميت، وثالثة يسميها الاحتلال محمية “أم زوقا” في الأغوار الشمالية شرقيّ محافظة طوباس، وزاد أمر عسكري من مساحة المنطقة المعلنة محميةً بقرابة 3700 دونم، لتصبح مساحتها الكلية قرابة 25 ألف دونم، كما جاء في أحد تقارير معهد الأبحاث التطبيقية ـ القدس “أريج”.
ونظراً إلى تاريخ وجغرافية أم زوقا، التي أُعلنت محميةً في عام 1983، يمكن معرفة أهداف هذا الإعلان الذي يمنع الفلسطينيين من الرعي أو الزراعة فيها، فهي كما يوضح مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس معتز بشارات لـ “مجلة آيارنيوز”، تقع على أراضٍ كان عليها تجمعان سكانيان فلسطينيان قبل احتلال الضفة الغربية عام 1976، وهُجِّر سكانها إلى جانب العديد من التجمعات المحاذية للحدود مع الأردن. مضيفاً: “كانت في هذه المنطقة خربتا السويدا والمزوقة التي أخذ الاحتلال اسمها وحوره إلى أم زوقا لتسمية المحمية، وأزاح الفلسطينيين بعد النكسة بالقوة. وتضم المنطقة سلسلة جبلية يزيد طولها على 17 كيلومتراً، وهي مطلة على الأراضي الأردنية”.
ويقول بشارات إن “المساحات المعلنة من الاحتلال محميةً طبيعيةً لا تعبّر عما يجري على الأرض، فالاحتلال يغلق عملياً أكثر من 55 ألف دونم ويحيطها بأسلاك شائكة وليس فقط 25 ألفاً، أي إن المساحة الفعلية المسيطر عليها ضعف المساحة المعلنة”.
ويتحدث مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد “أريج” سهيل خليلية، لـ “مجلة آيارنيوز”، عن وجود تداخل في الأراضي المعلنة ما بين محميات طبيعية وأخرى مناطق عسكرية أو مناطق تدريب، وهو تداخل شائع في الأغوار الفلسطينية بشكل عام، ويدل على أن الاحتلال يلجأ إلى أية طريقة لمصادرة الأرض الفلسطينية وإحكام السيطرة عليها بمسميات مختلفة.
وهنا يؤكد بشارات أن معسكراً لجيش الاحتلال يقام على الأراضي التي تعتبر محمية طبيعية، لكن الاستخدام العسكري للمنطقة لا يقتصر على المعسكر. ففي السلسلة الجبلية المطلة على الأردن حفر الاحتلال خنادق، وأقام غرفاً لتمركز جيشه، ووضع منصات صواريخ وغرفاً إسمنتية تحت الأرض، فالسيطرة على هذه الأراضي مهم للاحتلال من ناحيتين: أمنية واستراتيجية، لكونها مطلة على الحدود الأردنية الفلسطينية.
منذ أربع سنوات، استغل المستوطنون هذه الأراضي المعلنة محميةً طبيعية لإقامة بؤرتين استيطانيتين. ويقول بشارات إن هؤلاء المستوطنين يرعون مواشيهم بحرية، في حين أن الفلسطينيين يُحرَمون ذلك، بل إن قوات الاحتلال احتجزت مواشيهم بسبب دخولها إلى المنطقة، واضطر أحد المزارعين خلال الفترة الماضية إلى دفع 50 ألف شيكل (13.5 ألف دولار) غرامةً لاستعادة أبقاره، ولم تعَد جميعها، بل إن جزءاً منها سرقه المستوطنون. وفي وقت لاحق، كرر الاحتلال احتجاز الأبقار، وطلب دفع 150 ألف شيكل (40 ألف دولار)، ولا تزال محتجزة لعدم القدرة على دفع المبلغ.
وفي هاتين البؤرتين، يسرّع المستوطنون بحماية من جيش الاحتلال الهدف النهائي لسيطرة مؤسسات الاحتلال الرسمية على أي أرض فلسطينية، وهو تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، وبشكل خاص في الأغوار الفلسطينية، لتنفيذ خطة الضم، التي كان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد أعلن عزمه على تنفيذها عام 2019. ورغم أن البؤر الاستيطانية، وخصوصاً تلك الرعوية، تصنف على أنها غير قانونية، فإن الاحتلال أقام سابقاً وبشكل غير رسمي مستوطنات على مناطق مصنفة محميات طبيعية.
ويقول مدير دائرة التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود، لـ “مجلة آيارنيوز: “تشير التقديرات إلى إقامة 33 مستوطنة بطرق مختلفة على أراضٍ كانت مصنفة محميات طبيعية منذ ما قبل الاحتلال، أو صنفها الاحتلال كذلك. من بين تلك المستوطنات هار حوما التي أقيمت على جبل أبو غنيم في القدس عام 1997، وكان الاحتلال قد أعلن الجبل محمية طبيعية وغابة في عام 1975. الاحتلال يحول تلك المحميات لصالح الاستيطان من طريق إصدار أمر تخطيط مكاني يغير طبيعة المنطقة من منطقة طبيعية إلى منطقة سكنية”.
ويرى خليلية أن الاحتلال يستخدم حجة المحميات الطبيعية ليمنع الفلسطينيين مالكي الأرض من المطالبة بها والوصول إليها، إلى حين إعادة تصنيفها وإتمام السيطرة عليها، ويمكن تحويلها لدواعٍ استيطانية. ويشير الاحتلال إلى أن هذه المصادرة للأراضي مختلفة عن تلك التي تكون لأهداف أخرى، مثل شق الطرقات أو البناء الاستيطاني أو لأغراض عسكرية. وبحسب خليلية، قد يتحجج الاحتلال بوجود نوع نبات طبيعي في منطقة أو يجلب أحد أنواع الحيوانات إلى أخرى لإعلانها محمية طبيعية. ويقول خليلية: “دائماً هناك مجال لهذه الحجج لتجنب أي حرج أو مساءلة قد تتبع إعلان منطقة ما عسكرية أو منطقة تدريب عسكري أو لصالح الاستيطان، بما يفتح الباب لاحقاً لاستخدام الأراضي لأي غرض آخر”. وفي نظرة أوسع، يشير إلى أن 350 ألف دونم في الضفة الغربية، وتحديداً في المناطق المصنفة ج بحسب اتفاق أوسلو، أعلنها الاحتلال فعلياً محميات طبيعية، لكن مساحة أكبر منها أصدر الاحتلال بحقها إعلانات ابتدائية كمحميات طبيعية، وبدأ العمل على الإعلان النهائي لها، وهو ما سيجعل 715 ألف دونم محميات طبيعية، أي ما يشكل 12.5% تقريباً من مجمل مساحة الضفة الغربية.
وما يشير بشكل واضح إلى الأطماع الإسرائيلية بهذه المساحات الواسعة، مناقشة اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع العام الماضي، مشروع قانون يقضي بضم الحدائق والمحميات الطبيعية والمناطق الأثرية والنصب التذكارية في الضفة للاحتلال، من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها، في حين تسري على الضفة الغربية أوامر عسكرية وليس القوانين الإسرائيلية.
مثل تلك الخطوة برأي خليلية لا يمكن أن تعطي الاحتلال الشرعية، لأن الضفة منطقة معترف بها دولياً كمنطقة محتلة، لكن الاحتلال يحاول إعطاء نفسه شكلاً من أشكال الشرعية.