Published
4 mois agoon
By
لبنى جريدىمع تصاعد نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، تسعى الحكومة إلى صون المحكمة الدستورية العليا باعتبارها حصن الديمقراطية. وتأتي الخطوة عقب قيام حكومات يمينية في أوروبا باتخاذ خطوات للتأثير على المحاكم الدستورية.
ترغب الحكومة الائتلافية في ألمانيا في اتخاذ خطوات لتعزيز وتقوية المحكمة الدستورية الاتحادية لحمايتها من أي محاولة سياسية للتأثير عليها فيما يرجع ذلك جزئيا إلى الرغبة في صونها مع تزايد قوة حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي. وصنفت الاستخبارات الداخلية كيانات تحت لواء الحزب باعتبارها تمثل تهديدا للنظام الدستوري في البلاد.
وخلال عرضه الخطط الإصلاحية لتقوية المحكمة العليا، اصطف إلى جانب وزير العدل الألماني ماركو بوشمان الذي ينتمي إلى حزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، مشرعون من الائتلاف الحاكم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) وحزب الخضر وبرلمانيون من الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض (يمين الوسط).
وتنص الخطة، التي نالت على موافقة الأحزاب الأربعة، على ضرورة أن يتضمن الدستور الألماني أو ما يُعرف بـ “القانون الأساسي” نصا صريحا بشأن عدد قضاة المحكمة – 16 قاضيا – وتحديد فترة ولايتهم بـ 12 عاما.
وسيعني ذلك أن أي تغيير في مستقبل هيكل المحكمة سوف يتطلب موافقة أغلبية ثلثي البرلمان، بدلا من أغلبية بسيطة كما هو الحال في الوقت الراهن.
ولا يتوقف الأمر على هيكل المحكمة، بل تتطرق الإصلاحات إلى طريقة اختيار قضاة المحكمة؛ إذ في حالة منع نواب البوندستاغ – الغرفة السفلى من البرلمان الألماني – اختيار قاض معين لمدة ستة أشهر، فإن نواب البوندسرات – الغرفة العليا من البرلمان أو مجلس الولايات – قادرين على التصويت على المرشح وهو ما يعني من الناحية النظرية منع أي طرف من عرقلة تعيين قضاة المحكمة إلى أجل غير مسمى.
وفي بيان، قال وزير العدل إن المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية تعد “درع حماية الحقوق الأساسية، لكن هذا الدرع في حاجة إلى أن يكون أكثر مرونة،” مضيفا “لقد حان الوقت لوضع نهاية لهذا التناقض الملحوظ بين أهمية المحكمة الدستورية الاتحادية من جهة وافتقارها إلى الحماية الدستورية من جهة أخرى”.
ويتوقع أن تتحول الخطوة التي قدمها بوشمان الثلاثاء (23 يوليو/تموز) إلى مشروع قانون. وكان نواب البوندسرات قد اقترحوا إصلاحات مماثلة في وقت سابق من العام الجاري بهدف ترسيخ قواعد عمل المحكمة الدستورية داخل الدستور ما يصعب أي إمكانية مستقبلية لتغيير هذه القواعد.
بولندا…ناقوس خطر
ويقول خبراء إن المقترح يأتي على وقع الأزمات القضائية في بولندا والمجر وتزايد شعبية حزب البديل التي تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة تأييده بلغت نحو 17% على مستوى البلاد.
ويرى الخبير القانوني البارز في ألمانيا، أولريش كاربنشتاين، أن هذه التغيرات ذات جدوى، قائلا: “المحكمة الدستورية ليست محمية من مساعي أي أقلية برلمانية لإرباك عملها خاصة عندما يتعلق الأمر باختيار القضاة”.
وفي مقابلة مع ، أضاف كاربنشتاين، الذي يشغل منصب نائب رئيس نقابة المحاميين في ألمانيا، إن المحكمة الدستورية “ليست محمية أيضا ضد أي محاولة من قبل الأغلبية البسيطة داخل البوندستاغ للتأثير عليها في سيناريو يشبه ما أقدم عليه حزب القانون والعدالة في بولندا”.
وقال “يمكن تنفيذ ما يطلق عليه (تعبئة المحكمة) بمعنى تعيين قضاة إضافيين. هناك العديد من الطرق التي يمكن الشروع بها لتعزيز حماية المحكمة خاصة وأن الواقع يشير إلى ثمة إجماع للبدء في الأمر”.
ومتحدثا إلى ، قال ستيفان مارتيني، الباحث القانوني البارز في جامعة كيل، “من باب المنطق إدراج بعض القواعد المتعلقة بالمحكمة الدستورية في القانون الأساسي (الدستور الألماني)، لكن أرى أنه يجب اقتصار ذلك على القواعد الأساسية”.
ويرى مارتيني أن إدراج النصوص المتعلقة بمدة ولاية القضاة وقضية إعادة انتخابهم، في الدستور تعد بالأمر المنطقي، لكنه لا يتفق أن يشتمل الأمر على قضية موافقة أغلبية الثلثين على اختيار القضاة، مضيفا “إقرار ذلك، سوف يؤدي إلى ما يشبه الحصار البرلماني. لا يوجد حل مثالي لذلك سواء من قبل فرع آخر من الحكومة يتولى المسؤولية، أو لجنة من القضاة. هذا الأمر من شأنه أن يؤثر سلبا على الشرعية الديمقراطية”.
يشار إلى أن أزمة الإصلاح القضائي الأخيرة في بولندا دفعت العديد من المحامين في ألمانيا إلى البحث عن سبل لحماية المحكمة الدستورية الألمانية.
فعقب توليه زمام الأمور في بولندا عام 2015، اتهمت المعارضة حزب القانون والعدالة الحاكم بالعمل على إعادة تشكيل المحكمة استنادا على حصوله على الأغلبية المطلقة في البرلمان وهو ما تجلى في قيام الحزب بتعديل القوانين الخاصة بطريقة عمل المحكمة فيما شمل ذلك تعيين خمسة قضاة جدد.
وزير العدل الألماني ماركو بوشمان الذي ينتمي إلى حزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)
وفي عام 2019، أنشأت الحكومة البولندية بزعامة حزب القانون والعدالة، الغرفة التأديبية داخل المحكمة فضلا عن إقرار البرلمان قانون يسمح للحكومة بتعيين رئيس المحكمة العليا أو إقالته.
وأثارت الإصلاحات التي قامت بها حزب “القانون والعدالة” منذ وصوله إلى السلطة في عام 2015، صدامات مع الاتحاد الأوروبي حيث قضت محكمة العدل الأوروبية عام 2019 بأن هذه القوانين تنتهك قوانين التكتل وتقوض استقلال بولندا القضائي.
ولم يتوقف الأمر على بولندا، بل يشمل ذلك المجر حيث تعرضت الإصلاحات التي نفذها حزب فيدس القومي عام 2013 لانتقادات دولية لأنها أضعفت مبدأ الفصل بين السلطات.
وفي ذلك، قال الخبير القانوني البارز في ألمانيا، أولريش كاربنشتاين، إن المحكمة الدستورية العليا “تعد ركيزة أساسية في أي بلد لحماية الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية ومبدأ الفصل بين للسلطات وضمان تنظيم انتخابات حرة.”
وأضاف “ستكون المحكمة الدستورية العليا ذات أهمية كبيرة في حالة وجود زعماء – على سبيل المثال ترامب – يرفضون الخروج من السلطة تحت زعم تزوير الانتخابات، لذا في هذه الحالة، ستقرر المحكمة الدستورية العليا ما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أم عارية عن الصحة”.
ورحب كاربنشتاين بالمقترحات التي طرحها وزير العدل الألماني، قائلا: “أدت المناقشات بين الحزب المسيحي الديمقراطي وممثلي الحكومة الائتلافية إلى مقترحات مهمة وذكية تؤكد على استقلالية المحكمة وتحمي القضاة من أي تدخل سياسي”.
وشدد على ضرورة “ألا يتم تعديل التغييرات المستقبلية في قانون المحكمة الدستورية الاتحادية من قبل أغلبية بسيطة في البوندستاغ خاصة ما يتعلق بالنصاب القانوني لانتخاب القضاة وإمكانية تعديل قرارات المحكمة “.
في المقابل، حذر الباحث القانوني، ستيفان مارتيني، من أن زيادة صعوبة عملية تغيير القوانين ليست جيدة “على الدوام،” مضيفا “في حالة خسارة حكومة غير ليبرالية الانتخابات ومجي حكومة تقدمية، فإن هذه الحكومة ستكون في حاجة إلى تأمين الأغلبية لإطلاق عملية مراجمة للسياسيات السابقة وسيكون الأمر في غاية الصعوبة في حال إدراج قوانين معينة في الدساتير.”